للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد كان أبو جهل - لعنه الله - منذ لحظات يحدث القوم ساخرا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويقول: "إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن؛ وإن لم تفعلوا

كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها" [٢٤] .

يا سبحان الله!! لقد سمع رسول الله ذلكَ من أبي جهل وهو في طريقه إلى الباب ليخرج، فأي مصيبة حلت بهم فصرفتهم عن غايتهم؟؟

إنها إحدى المعجزات، لقد أخذ الله أبصارهم، وضرب على قلوبهم حتى خرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يروه، وسخر من أبي جهل كما كان يسخر منه قبل لحظات، وقال: "نعم، قلت ذلك، وأنت أحدهم"، وأخذ حفنة من تراب فجعلها على رؤوسهم، وهو يتلو قوله تعالى: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ... فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [٢٥] .

فلم يبق أحد منهم إلا قد وضع على رأسه ترابا [٢٦] .

أي سخرية هذه؟ وأي احتقار للقوم؟ شباب أقوياء وسيوفهم في أيديهم، يخرج عليهم رسول الله وحيدا، ولكنه في رعاية الله، ويضع التراب على رؤوسهم متحديا تلكَ السيوف التي ذبلت في أيديهم كأنها أغصان فصلت عن شجرتها، فلم تغن عنهم شيئا.

ويمر بالقوم رجل فينبههم، فإذا التراب على رؤوسهم، والخزي يجلل وجوههم، وينظرون من خلال الباب فيرون النائم متسجيا بالبرد الحضرمي الأخضر فيقولون: "هذا محمد نائم على فراشه"، وظلوا في حصارهم ينتظرونه، حتى أصبحوا، فقام علي - رضي الله عنه- عن الفراش فقالوا: "قد صدقنا والله من حدثنا" [٢٧] .

وخاب أمل القوم، وضل سعيهم، ألم يكن في هذا الحدث وحده واعظ لهم ينبههم إلى أن الرسول ممنوع منهم؟ وأنهم مهما دبروا فالله من ورائهم ولكن {رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [٢٨] .