اجتمع شباب قريش وفتيانها في الليلة التي حددوها لتنفيذ المؤامرة، وأحدقوا ببيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والسيوف في أيديهم تخطف الأبصار ببريقها، ويترقبون خروج رسول الله لينهشوه بتلك السيوف.
وكان على رسول الله أن يخرج من بين هذه الجموع المحتشدة المترقبة، وكان عليه كذلك أن يضللهم حتى لا يفطنوا لخروجه فيتبعوه، ويفسدوا عليه خطته، عندئذ أمر عليا -رضي الله عنه - أن ينام في مكانه، وأن يتغطى ببردة الحضرمي الأخضر، فامتثل علي لأمره، ونام في مكانه مضحيا بنفسه يفدي بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وضرب علي بذلك أروع أمثلة التضحية والفداء.
نام علي على فراش الرسول، ونظر المشركون من خصاصة الباب فاطمأنوا على سلامة خطتهم، وظلوا يتحينون فرصة خروجه ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل.
وهم الرسول - صلى الله عليه وسلم- بالخروج من بيته، وكانت لحظة جد خطره فالمشركون على باب الرسول وسيوفهم مشرعة في أيديهم كأنها الحيات تتلمظ لتنهش فريستها، وحانت لحظة الوداع، فودع الرسول عليا وطمأنه قائلا:"لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم"[٢١] وأوصاه أن يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس [٢٢] .
وخرج رسول الله على القوم وهو يعلم مكانهم وما جاءوا من أجله ولكنه خرج وكله ثقة في الله - عز وجل- وفتح باب بيته ليجد فتيان قريش يغطون في نوم عميق، وكأنهم لم يناموا منذ زمن بعيد.
ماذا دهى القوم؟ لقد كانوا منذ لحظات يسمرون، وقد حضر معهم سادة قريش: أبو جهل، والحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف، وربيعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وأبو لهب، وأبي بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج [٢٣] .
لقد حضر هؤلاء السادة ليشجعوا فتيان قريش على أداء مهمتهم وليتشفوا في رسول الله، ويمتعوا أبصارهم برؤية دمه الشريف وهو يهراق أمامهم، فما بالهم يغطون في هذا النوم العميق؟