وجعل على أخبار القوم عبد الله بن أبي بكر، كان يسمع ما يدور في مجالس القوم نهارا ويعيه فإذا جن الليل أتاهما بأخبار الناس وأعلمهما بما يتكلمون به، وعلى أساس هذه الأخبار يخطط للبقاء في الغار أو لمغادرته وكان -صلى الله عليه وسلم- يخشى أن يرى أحد من المشركين أثار أقدام عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء فيسدل بها على مكانهما فأمر عامر بن فهيرة مولى أبي بكر أن يسرح بالغنم مبكرا على آثارهما فيعفى عليها، ويزيل ما قد يكون سببا في معرفة مكانهما، كما كان يريح الغنم عليهما ليلا فيذبحان منها، ويحلبان فيشربان.
ومع كل هذه الاحتياطات، ورغم كل التخطيطات وصل القوم إلى الغار، ولكن هل على الرسول وصاحبه لوم إذا عرف القوم مكانهما بعد ذلك، كلا، فقد اتخذا كل الاحتياطات اللازمة وبذلا كل ما في وسعهما والله – سبحانه - بعد ذلك يتولى ما لم يقدرا عليه.
وصل المشركون إلى الغار، ورأى سيدنا أبو بكر - رضي الله عنه - أقدامهم فقال:"يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا"، والرسول يهدئ من روع أبي بكر ويقول:"يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا"[٣١] .
لقد كان رسول الله في ثقة تامة بالله -عز وجل- وكيف لا وهو لم يهمل سببا من الأسباب، ولم يقصر في أمر يستطيعه، وأكثر من هذا فقد كان خروجه بأمر الله، والله - تبارك وتعالى - لا يضيع نبيه أبدا.
لهذا كان الرسول يخاطب أبا بكر وهو موقن أن الله لن يضيعهما ولابد أن يرد عنهما عدوهما، وقد كان.
وتولى الله صرف المشركين عن الغار، أما كيف؟ وبماذا؟؟ فهذا ما لم يخطر لأحد على بال. لم يرسل الله ملائكة تحرس النبي وصاحبه، ولم يسلط على القوم جيشا يردهم عن وجهتهم. ولكن أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار، وأرسل حمامتين فباضتا عليه [٣٢] .