ودور عمر رضي الله عنه في القصة هام، فقد استولت عليه الرهبة لما نزلت الآيات تخالف رأيه، عندما قال:"لو فعلنا ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون"فأسرع واجفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذر إلى الله بين يديه، فتنزل الآية بقبول اعتذاره، لكن بعد أن ذكرت أن ما وقع من عمر كان سوءا، فلما علم الله أن هذا السوء غير منوي، وإنما وقع بغير عمد من صحابي ولي، شرفه في نهاية الآية بالمغفرة له وإحلال الرحمة عليه، فقد خاطب سبحانه نبيه في شأن عمر قائلا:{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإَِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، فإذا كان ما أراده عمر رضي الله عنه هو استدراج المتعالين لعلهم يؤمنون، ومع ذلك أعتبر الله عمله سوءا يوجب التوبة، ولم يشفع لعمر منزلته عند الله وعند رسوله إلا التوبة مما قال، فكيف بمن يشمخون اليوم ويتميزون، ومن يمدونهم في طغيانهم بالملق والزلفى؟، أظن لهم ميعاد يوم لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون.
أما الذين قالوا لنبيهم نوح عليه السلام:{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} وقالوا له: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} . رد نوح عن الأولى بشجاعة حملة الحق {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} ، ملاقوا ربهم لينتصر لهم ممن يهزأ بهم، وهو نفسه علم أنه لن يسلم من أمر يفعله الله به إذا رضخ لقومه وطرد الضعفاء {وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ؟} .