للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما اعتراضهم على الاستعارة القرآنية في قوله تعالى: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}

فاعتراض متهافت، لأن الاستعارة هنا أبلغ من الحقيقة، ذلك لأن الشيء إذا ذهب فقد يعود أما إذا هلك استحالت عودته، والمشركون يعلمون أن سلطانهم الفاني لن يعود إليهم أبداً يوم القيامة. وبالإضافة إلى هذا فقد قيل: إن السلطان هنا بمعنى الحجة والبرهان.

فأما افتراؤهم على الجملة القرآنية {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} فساقط عديم الجدوى. لأن لفظ (فاعلون) أبلغ من (مؤتون أو مؤدون) ونحوهما.

فالجملة القرآنية تفيد المبالغة في أداء الزكاة والمواظبة عليها حتى تكون سجية لهم. وهذا مالا يؤديه إلا لفظ (فاعلون) على أنه قيل: إن الزكاة هنا تقابل كل الأعمال الصالحة. وبذا تكون الكلمة القرآنية أدق من كل كلمة سواها.

أما اعتراضهم على الباء في قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ... } فإن هذا غير خارج عن سنن العرب في كلامهم. وإلا لاعترض عليه مشركو مكة وهم أرباب الفصاحة وأئمة البيان. قال الراعي النميري:

سود المحاجر لا يقرأن بالسور

هن الحرائر لا ربات أحمرة

فأدخل الباء على المفعول وذلك غير ممنوع في اللغة.

فأما اعتراضهم على وجود المشبه به بعد كاف التشبيه دون المشبه فباطل أيضا.

ذلك لأن الله تعالى يشبه حال المسلمين في اختلافهم على الغنائم بحالهم في كراهة القتال في أول الأمر. قال تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} .

ولا تناقض بين الآية وما قبلها. لأن الثانية توضح معنى قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وطرفا التشبيه أيضاً في قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً} هما. يتم الله نعمته عليكم كما أتمهابأن أرسل فيكم رسولا من أنفسكم.