وأما افتراؤهم على حذف جواب الشرط. فإن هذا الحذف أبلغ من الذكر. وتقدير الجواب، لكان هذا القرآن والنفس تذهب في المحذوف كل مذهب. وأما المذكور فليس له سوى هذه الصفة المذكورة.
وصاحب الذوق السليم يدرك بلاغة الحذف في قولك مثلاً لو رأيت الفاروق عمر ... بحذف الجواب فهو أبلغ من ذكره مهما قدرته. فالنفس تذهب في عظمة الفاروق رضي الله عنه كل مذهب. وهكذا الشأن دوما مع حذف جواب الشرط أو غيره.
فأما اعتراضهم على أسلوب التكرار في القرآن الكريم. فإن التكرار في اللغة قسمان محمود ومذموم، الثاني عديم القيمة والمعنى. وهو ليس موجوداً في القرآن ... إطلاقاً.
وقد بين الله تعالى لماذا كرر القصص في القرآن الكريم بقوله تعالى:{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[١٨] . {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}[١٩] .
فأما ما عابه المفترون من تكرار قوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} . (في سورة الرحمن) .
فأما تكرار قوله تعالى:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في سورة المرسلات. فلأن السورة قد عرضت لأهوال يوم القيامة بتفصيل ملحوظ وعقب الحديث عن كل هول من أهوالها المتعددة جاء هذا الإنذار للمكذبين بيوم الدين. فهو تكرار لتعدد المتعلق أيضاً.
ولقد يتساءل خبيث حقود أو جهول عن سر مجيء قوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}(في سورة الرحمن) بعد آيات التهديد والوعيد كمجيئها بعد قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} فهي تهديد بلهيب السعير والدخان المستطير..