وأما الإمام أحمد بن حنبل فقد روى الأثرم عنه: أنه كان يحفي شاربه احفاء شديدا، وسمعته يسأل عن السنة في احفاء الشارب، فقال:"يحفي.."وقال حنبل:"قيل لأبي عبد الله: ترى للرجل يأخذ شاربه ويحفيه أم كيف يأخذه؟ " قال: "إن احفاه فلا بأس وإن أخذ قصا فلا بأس"، وقال أبو محمد في المغني:"هو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه.."[٧٩] ..
مناقشة وجهة الفريق الأول:
نوقشت وجهة الفريق الأول من قبل معارضيه: بأن الاحفاء المذكور في بعض الروايات ليس معناه الاستئصال، بل المراد به التقصير، غاية ما في الأمر؛ أنه يشتد في أخذ الشعر المتدلي من أسفل الشارب حتى يبدو طرف الشفة العليا حتى لا يؤذي الأكل ولا يجتمع فيه الوسخ..
وقال ابن عبد البر:"الاحفاء محتمل لأخذ الكل، والقص مفسر للمراد والمفسر مقدم على المجمل".
وقال الحافظ ابن حجر- بعد أن ذكر وجهة هذا الفريق من أحاديث الاحفاء وما ورد عن ابن عمر وغيره- قال:"إن كل ذلك محتمل لأن يراد استئصال جميع الشعر النابت على الشفة العليا ومحتمل لأن يراد استئصال ما يلاقي حمرة الشفة من أعلاها ولا يستوعب بقيتها، نظرا إلى المعنى في مشروعية ذلكَ؛ وهو مخالفة المجوس والأمن من التشويش على الأكل: وبقاء زهومة المأكول فيه، وكل ذلكَ يحصل بما ذكرنا".