للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ذكر الحافظ بعد ذلكَ: أن طريقته هذه تجمع مفترق الأخبار الواردة في الموضوع.. ثم يقوي وجهة نظره هذه: بأن الداودي جزم بذلك حين شرح أثر ابن عمر المذكور في الإحفاء.. كما أنه مقتضى تصرف الإمام البخاري؛ لأنه أورد أثر ابن عمر وأورد بعده حديثه وحديث أبي هريرة في قص الشارب فكأنه أشار إلى أن ذلكَ هو المراد من الحديث.. ثم ذكر عن الشعبي: أنه كان يقص شاربه حتى يظهر حرف الشفة العليا، وما قاربه من أعلاه، ويأخذ ما يزيد مما فوق ذلك وينزع ما قارب الشفة من جانبي الفم ولا يزيد على ذلك ثم قال: "وهذا أعدل ما وقفت عليه من الآثار" [٨٠] .

مناقشة وجهة الفريق الثاني:

كما تعرضت وجهة الفريق الثاني القائل بأن السنة في الشوارب: هي التقصير وأخذ ما طال على الشفتين؛ إلى بعض المناقشات من الفريق الأول؛ ومن بينها ما يلي:

أن الاحفاء الوارد في كثير من الأحاديث: معناه الاستئصال: وليس هو ما طال على الشفتين، وتشهد لذلك كتب اللغة كالصحاح والقاموس والكشاف.. كما أن رواية القص لا تنافي الاحفاء لأن القص قد يكون على جهة الاحفاء وقد لا يكون، ورواية الاحفاء معينة للمراد وأيضا حديث "من لم يأخذ من شاربه فليس منا.."لا يعارض رواية الاحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية الاحفاء أرجح. لأنها في الصحيحين.. كما أن حديث "أن رسول الله أخذ من شارب المغيرة بن شعبة على سواكه.." محتمل وهو وإن صح فإنه لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة الواردة في الاحفاء [٨١] وقد حاول بعض العلماء أن يجمع بين الاحفاء والقص فقال: "يقص من أعلاه ويحلق من طرفه" [٨٢] .

المختار: بعد أن استعرضنا آراء الفقهاء، ومستند كل منهم: تبين لنا أن الاحفاء وإن كان يحتمل التقصير لكنه إلى معنى الاستئصال أقرب، وأن القص وإن احتمل أن يكون من قرب جذور الشعر لكنه إلى التقصير الوسط أقرب.