قال بعضهم يصف حجة بالوضوح والانكشاف:"حجة كالشمس في الظهور"فشبه الحجة وهى مفرد عقلي بالشمس وهي مفرد حسي في وصف هو (الظهور) وبالنظر في هذا الوصف نجد أنه لا يصلح أن يكون وجه شبه لوجوده في المشبه به (الشمس) دون المشبه (الحجة) لأن الظهور من خواص المحسات، ووجه الشبه لابد من وجوده في الطرفين، ولذا احتيج إلى التأول بصرفه عن ظاهره وذلك بأن يراد مقتضاه ولازمه وهو (عدم المانع من الإدراك) وبذلك يكون مشتركا بين الطرفين.
رأيي:
إذا جاز لي أن أذكر رأيي في هذه المسألة فإني أرى أن هذه الآراء التي استعرضتها مع وجاهتها ورسوخ أقدام أصحابها في البلاغة العربية فيها شيء من القصور فعبد القاهر يقصر تشبيه التمثيل على ما كان الوجه فيه عقلياً غير غرزي سواء أكان مفرداً أم مركباً، وحجته في ذلك أن مثل هذا الوجه يحتاج في تحصيله إلى إعمال فكر وإلطاف رويّة وينفي التمثيل عما كان الوجه فيه حسياً مركباً مع أن هذا الوجه وإن كان مدركاً بالحواس إلا أن انتزاعه من الطرفين ونظمه في هيئة مركبة يحتاج إلى إعمال الفكر وإلطاف الروية كالوجه العقلي فينبغي أن يكون التشبيه المعقود عليه من قبيل التمثيل لكن عبد القاهر لم ينظمه في سلك التمثيل وهذا قصور منه.
والسكاكي يخص التمثيل بما كان وجه الشبه فيه مركباً عقلياً، لأن هذا المركب يحتاج في الوصول إليه إلى إعمال الفكر وإرهاف الحس، وأهمل المركب الحسي كما أهمله عبد القاهر مع أنه مشارك للمركب العقلي في احتياجه إلى بذل الجهد والمشقة حتى يمكن تحصيله والعثور عليه. والخطيب القزويني أطلق اسم التمثيل على ما كان الوجه فيه مركباً سواء أكان حسياً أم عقلياً، وأهمل ما كان الوجه فيه مفرداً عقلياً غير غرزي مع أن هذا الوجه لا يمكن تحصيله والوصول إليه إلا بعد كد الذهن وإرهاف الحس، لأنه يستلزم صرف اللفظ عن ظاهره وإرادة مقتضاه ولازمه كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق.