وإذا تأملنا حديث هؤلاء الفرسان عن التمثيل والتشبيه فإننا نراهم يعتمدون في إيضاح الفرق بينهِما على احتياج الوجه إلى بذل الجهد والمشقة وعدم احتياجه إلى ذلك.. فإذا كان الطريق إليه سهلاً ميسوراً لوضوحه وقربه سموا التشبيه المعقود عليه (تشبيهاً غير تمثيلي) وإذا كان الطريق إليه وعراً لدقته وبعده سموا التشبيه المعقود عليه (تشبيهاً تمثيلياً) وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يكون الفرق بينهما على النحو التالي:
التمثيل: هو ما كان الوجه فيه دقيقاً لا يدركه ولا يفطن إليه إلا أصحاب الأذواق السليمة الذين ارتفعوا عن طبقة العامة.
وهذا يتحقق في:
(أ) ما كان وجه الشبه فيه مفرداً عقليا غير غرزي.
(ب) ما كان وجه الشبه فيه مركباً عقلياً.
(ج) ما كان وجه الشبه فيه مركباً حسياً.
التشبيه: ما كان وجه الشبه فيه واضحاً بيناً لا يحتاج إلى إعمال فكر وإلطاف روية. وهذا يتحقق في:
(أ) ما كان وجه الشبه فيه مفرداً حسياً.
(ب) ما كان وجه الشبه فيه عقلياً حقيقيا [١٦] .
من أسرار التمثيل..
إن من يمعن النظر في أسلوب التمثيل في لغة القران العظيم يتضح له أنه ينطوي على كثير من اللطائف والأسرار التي تحرك الأحاسيس والمشاعر وتهز العواطف، فهو أسلوب قد أحسن استخدامه على أتم وجه، ومن ثم فإنه يؤدي دوره وهو متمكن من نفسه ثم من نفوس السامعين فنجده يؤثر تأثيراً قوياً في النفوس، ويبرز المعقول في صورة مجسمة، ويلبس المعنوي ثوب المحسوس، ويفصل المجمل، ويوضح المبهم، ويصيب المعنى.
ولأجل هذا التف حوله الأدباء، فأصبح الميدان الفسيح الذي يتنافسون فيه لإظهار مواهبهم، والوسيلة المثلى التي ترنو إليها أبصارهم وحولها تهفو أمانيهم، ليستعينوا بها في إبراز صدورهم الأدبية منيرة موحية معبرة في قوة ووضوح عن المعنى الذي يسيطر على المقام.