للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣- إن عناصر التمثيل في القرآن الكريم مستمدة من الطبيعة، تلك الطبيعة التي ما زالت تشهد مرور الأجيال البشرية وهي ثابتة على حالتها المتغيرة، ومن هنا نلحظ ارتباط الإنسان- في أي جيل- بهذه الطبيعة التي تمثل الميدان الفسيح الذي يؤدي عليه الجنس الآدمي دوره في الحياة وكلما امتزجت عناصر هذا الاختلاط بين الإنسان والطبيعة ازدادت القرابة بينهما، وبرزت الألفة القائمة على معرفة الإنسان بأدق مظاهر الطبيعة، ومن هنا فإن التمثيل في القرآن مستمر استمرار الطبيعة نفسها وعام يدركه الناس جميعاً فنحن لا نكاد نجد في القرآن تمثيلا واحداً يدرك جماله شخص دون آخر، أو يتأثر به إنسان دون إنسان فالتمثيل في القرآن يختلف عن التمثيل عند العرب في الجاهلية مثلاً، لأن هذا الأخير مستمد من بيئة خاصة لا يدركه إلا من عاش في هذه البيئة وعاشر أشياءها على اختلاف طبقاتها من نبات وحيوان وجماد.

- فالطبيعة هي ميدان التمثيلات القرآنية منها استمدت حيويتها وتجددها الدائمين دوام الإنسان والطبيعة..

والتمثيل عند ما يستمد عناصره من الطبيعة التي تختلف من مكان إلى مكان وفي زمان عن زمان يهدف إلى أن يكون مؤثراً في كل وجدان مسيطراً على كل تفكير فالقرآن عندما يوضح أعمال الكفار في هذه الآية {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} [٣٦] .. ندرك لأول وهلة أن أعمال الكفار لا قيمة لها ولا غناء فيها مهما كلفت أصحابها من جهد ومشقة ومهما بلغت من الخير، فمثلها كمثل السراب وهو ظاهرة من ظواهر الطبيعة، يغري منظرها الظامئ فيسرع نحوها متكلفا في ذلك جهداً حتى يصل إلى مرمى البصر لاهث الأنفاس خائر القوى.. ثم لا يجد شيئا، فتصور هنا كيف تكون نفسه بعد أن قطع مرحلة من المسير ولم يبل صداه، وكذلك الكافر.