إن القرآن يتخذ من الرماد وهو عنصر من عناصر الطبيعة مثلاً لأعمال الكفار الضائعة، ثم يبلغ قمة التأثير حينما يضم إلى الرماد الريح الشديدة العاتية، إن الرماد لا يقوى على الصمود أمام قوى الرياح العاتية العارمة، إنه يتحلل وتتفتت ذراته، ويصبح لا شيء في دنيا العدم وأعمال الكفار مهما جلت وكثرت كهذا الرماد الذي انعدم وتلاشى في جوف الريح الهادرة.
أرأيت أجمل من هذا التصوير الخالد ولا أعجب من هذا التمثيل المعجز؟..
إن في هذا التمثيل من قوة التأثير وجمال التعبير ما يعجز عن إدراكه أساطين البيان.
وعن بلاغة التمثيل في الآية الكريمة يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله:"ومشهد الرماد تشد به الريح في يوم عاصف مشهود معهود، يجسم به السياق معنى ضياع الأعمال سدى، لا يقدر أصحابها على الإمساك بشيء منها، ولا الانتفاع به أصلا، يجسمه في هذا المشهد العاصف المتحرك؛ فيبلغ في تحريك المشاعر له ما لا يبلغه التعبير الذهني المجرد عن ضياع الأعمال وذهابها بددا.
هذا المشهد ينطوي على حقيقة ذاتية في أعمال الكفار فالأعمال التي لا تقوم على قاعدة من الإيمان، ولا تمسكها العروة الوثقى التي تصل العمل بالباعث، وتصل الباعث بالله مفككة كالهباء والرماد لا قوام لها ولا نظام فليس المعول عليه هو العمل، ولكن باعث العمل، فالعمل حركة آلية لا يفترق فيها الإنسان عن الآلة إلا بالباعث والقصد والغاية.. وهكذا يلتقي المشهد المصور مع الحقيقة العميقة، وهو يؤدي المعنى في أسلوب مشوق موح مؤثر" [٣٩] .