تلك هي الصورة الأولى من قصيدة الشاعر حافظ إبراهيم كما وعاها فهم الناقد، ثم أباح له ذوقه من بعد ذلك أن يحللها بالأسلوب النقدي (الرفيع) على ذلك المستوى الذي رأيناه ... وهو بطبيعة الحال يشير بشرحه هذا إلى أبيات الشاعر حافظ إبراهيم التي لم يشأ أن يذكرها في مقاله حتى لا يرى القارئ هذه الصورة (الفاضحة) لتلك المرأة النائحة التي رسمها حافظ إبراهيم في قوله:
يعز عليها أن تلين قناتي
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما
لهن بقلب دائم الحسرات
حفظن ودادي في البلى وحفظته
حياء بتلك الأعظم النخرات
وفاخرت أهل الغرب والشرق مطرق
هكذا كان ترحم الشاعر حافظ إبراهيم في حقيقته على أولئكم الرجال الذين عرفوا للغة حقها عليهم فما فرطوا فيه، بل حافظوا على لغتهم وتراثهم، وكانوا حملة العلم والحضارة، وعلموا الدنيا بأسرها فدان لهم شرقيها وغربيها، ومن حق العربية أن تفاخر بأولئكم العظام حتى بعد أن صاروا رفاتا- أهل الغرب طرا.. كيف لا وقد كانوا الهداة المرشدين والعلماء المصلحين الذين استطاعوا أن يبقوا آثارهم ويثبتوا وجودهم في كل ما تناولوه من شئون الحياة، بلغتهم العربية.. لغة القرآن الكريم.
لذلك لم يكن غريبا من الشاعر حافظ إبراهيم أن يصرخ- على لسان العربية- في بنيها مستثيرا نخوتهم حتى يدركوا لغتهم من الضياع، وقبل أن يغلبهم عدوهم على أمرهم وهم في غمرة ساهون..