اللهم ارضَ عن الخلفاء الأربعة الراشدين، الهداة المهديين، أبي بكر- وعمر وعثمانَ وعلي، وعن سائر الآل والأصحاب، وعن التابعين لهم بإحسان، الناهجين نهجهم بإيمان، إلى يوم الدين.. اللهم ارحم أئمةَ الإسلام وعلماءه، ومحدثيه وفقهاءه، من حملوا إلينا على أكتاف علمهم وعقلهم وحكمتهم هذا النور المبين.. اللهم ارحم أبا حنيفةَ النعمان، ومالكَ ابْنَ أنس، ومحمَد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل، وسائر الأئمة المجتهدين.. اللهم عظم ثوابهم، وارفع درجتهم، واحشرنا معهم في زمرة نبيك واتباعه من يشفع فيهم فيشفّع ويسأل لهم فيعطي اللهم- يا معلم إبراهيم علمنا، ويا مفهم سليمان فهمنا ...
أما بعد:
فإن فقه السياسة الشرعية يحتاج إلى مزيد من جهود الباحثين، فقهاء ومحققين، لأمرين، أحدهما: قلة ما وصلنا فيه من مؤلفات، فكأنها ضاعت مع أكداس المخطوطات والكتب، إن لم تكن على أيدي المغول المتوحشين، فعلى أيدي لصوص المستشرقين المتمدنين..
وثانيهما: أهمية هذا الفقه في حياة المسلمين، لشدة الانحطاط السياسي الذي تردوا فيه، فكادت تندرس معالمه بسبب ذلك، والفقه يحببه التطبيق، ويزدهر بالتنفيذ..
والقضاء، من أهم مجالات فقه السياسة الشرعية، وقد اخترْته لبحثي، لا تقديماً له على المجالات الأخرى، ولكن لأسباب في نظري هامة:
منها: أن القاضي أكثر مساساً بحياة الناس وحركة دولاب المجتمع، حيث يعيش مشكلاتهم وقضاياهم عن كثب، ويؤثر فيها بدوره الفعال..
والسلف قد فَرَقوا بين القضاء والفتوى، فلكل منهما رجال، فكانوا يقولون: فلان أعلم من فلان بالقضاء، وذلك أعلم منه بالفتوى..
كما قالوا في شريح ومسروق:"شريح أعلم من مسروق بالقضاء، ومسروقَ أعلم من شريح بالفتوى، وكان شريح يستشير مسروقاً، ومسروق لا يستشير شريحا.."