لقد أدى تدفق المهاجرين المستمر إلى تنويع سكان المدينة وازديادهم بصورة كبيرة تحتاج إلى تنظيم جديد لمشاكل القوت والسكن والأمن، وقد تحمل الأنصار عبئا كبيرا تمكنوا من النهوض به لقوة عقيدتهم ورحابة صدرهم وحسن خلقهم وجودة أيديهم وهكذا سدوا خلة المهاجرين الذين تركوا أموالهم بمكة التي تحتاجها التجارة في المدينة فضلا عن عدم مهارتهم بالزراعة والصناعة المنتشرتين في المجتمع المدني، ولمواجهة هذه المشاكل عقد النبي صلى الله عليه وسلم نظام المؤاخاة في السنة الأولى للهجرة وقد ترتبت عليه حقوق خاصة بين المتآخين كالمواساة التي تشتمل كل أوجه العون على مواجهة أعباء الحياة، كما ترتب عليه أن يتوارث المتآخيان دون أرحامهم، فلما زالت دواعي استحداث هذا التوارث رجع به إلى وضعه الطبيعي المنسجم مع الفطرة على أساس صلة الرحم وبقي من المؤاخاة النصر والرفادة والنصية، ورغم قوة الروابط القبلية فإن الإسلام كان أقوى منها مضهر المسلمين من القبائل المختلفة في بوتقة العقيدة، وقضى على العصبية القبلية، وحصر الأخوة والموالاة بين المؤمنين وحدهم.
ووضع مصالح المسلم وعلاقاته الدنيوية كلها في كفة ومصالح العقيدة والتزاماتها من حب لله ورسوله والجهاد في سبيله في كفة أخرى محذرا المسلم من تغليب الأولى على الأخرى.
فكان المجتمع المدني الذي أقامه الإسلام مجتمعا عقيديا يرتبط بالإسلام ولا يعرف الموالاة إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، وهو مفتوح أمام من يريد الانتماء إليه أيا كان لونه أو جنسه إذا انخلع من صفاته الجاهلية واكتسب الشخصية الإسلامية.