للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ذلك ما كان من لطفه سبحانه بيوسف وقد اجتمعت عليه صبيا المحن، وتظاهرت عليه الخطوب فهو ممتحن بأخوة تسعرت نيران الأحقاد في قلوبهم وطغت على جوارحهم فكادوا له كيدا لئيما وكان أمرهم معه كما قال القائل:

على النفس من وقع الحسام المهند

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

ووضعته المؤامرة في غياهب الجب، أبدلته من حنان الأخوة وزلفى المودة، غدر الأولياء، وإنفصام الإخاء، وتركوه بين مخافات مهلكة، وفزع بئيس، وهنا يهبط الفيض وتتنزل السكينة: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} ١٥: يوسف، فلقد كان هذا الوحي قبل نبوته بيقين كما في قوله تعالى بعد ذلك {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ٢٢: يوسف، ولقد نص غير واحد من المفسرين على أن هذا الوحي كان في طفولته، وكادت أن تتفق عبارة ثلاثة منهم على ذلك وهم: الزمخشرى، وأبو السعود، والبيضاوي، أو قل إن دور الأخيرين دور الناقل قال أبو السعود [١٠] : "وأوحينا إليه عند ذلك تبشيرا له بما يؤول إليه أمره، وإزالة لوحشته، وإيناسا له، قيل كان ذلك قبل إدراكه، كما أوحي إلى يحيى وعيسى، وقيل كان إذ ذاك مدركا، قال الحسن رضي الله عنه: كان له سبع عشرة سنة [١١] . وذهب البيضاوي [١٢] إلى أن وسيلة الوحي كان جبريل عليه السلام، ونحن لا نقطع كيف كان الوحي إليه في هذه الضائقة، ونقف عند نص القرآن الكريم، وكذلك عيسى عليه السلام أوحي إليه وكلم الناس في المهد صبيا، وكان ذلك قبل أن يؤمر بالنهوض بأعباء الرسالة تكليفا وتشريفا- كما ورد في قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} ٤٦: آل عمران، وقوله سبحانه: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ