للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذ قد بلغنا هذه المرحلة من الطريق: وعلمنا أنه لم يكن وحي بالقرآن إلا وكان جبريل واسطة له وأمينا عليه فلننتقل إلى مرحلة أخرى نسائل فيها أنفسنا كيف كان يأتيه جبريل عليه السلام؟

الكيفيةْ التي جاء عليها الملك:

ولن نتجشم كبير عناء في هذه المرحلة فقد عبد لنا فيها الطريق الحارث بن هشام رضي الله عنه حين سأل [٧٩] رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس؛ وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول"، قالت عائشة رضى الله عنها ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصمه عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا".

فهكذا الحديث الكريم يحدثنا بحالتين للوحي: يأتيه فلا يراه من حوله وإنما يسمعون لمجيئه دريا وصلصلة أو يتمثل له الملك بشرا سويا فيحدثه فيعي عنه كل ما قال.

حالة الرسول صلى الله عليه وسلم وقت إشرافات الوحي:

وهى حالة صورتها الإشارة ولم تستطع التعبير عن كنهها وإبراز صورتها للبشر صورة ولا عبارة، فصاصلة حول الوجه الكريم، وليس ثمة أجراس، ولا أجرام نواقيس، ودوى كدوى النحل وسعادة البنحل بتشبيه هو منه ببعيد.. وتأتي العبارات تصف وتعبر فقد رأت الآثار ولكن سنا الأنوار يأخذ بالأبصار، وليس من نفحته الأنوار [٨٠] كمن هو غارق في لجج الأنوار. تقول أقرب الناس إلى من تنزل عليه الوحي: عائشة رضي الله عنها "كان يأتيه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا"وتأتي عبارة الحديث الآخر "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة " [٨١] .