ويعبر العلماء كل بما أفاء الله عليه عن فهمه لهذه المعاني.. يقول الشيخ [٨٢] عبد الرحمن ابن خلدون: "توجد لهم- أي للأنبياء عليهم السلام - في حال الوحي غيبةَ عن الحاضرين معهم. مع عطيط كأنها غثي أو إغماء رأين العين، وليست منها في شيء [٨٣] وإنما هي في القيقة استغراق في لقاء الملك الروحاني: بإدراكهم المنسب لهم في الخارج عن مدارك البشرية بالملكية.
أما العلامة الدكتور دراز رحمه الله فيقول [٨٤] بعد نظرة فيما صح من الآثار: "وكلنا نعرف تلك الظاهرة العجيبة التي كانت تبدو على وجهه الكريم، في كل مرة حين ينزل عليه القرآن، وكان أمرها لا يخفى على أحد مما ينظر إليه فكانوا يرونه قد احمر وجهه فجأة، وأخذته البرحاء حتى يتفصد جبينه عرقا، وثقل جسمه كان كاد يرض فخذه فخذ الجالس إلى جانبه، وحتى لو كان راكبا لبركت به راحلته، وكانوا يسمعون عند وجهه أصواتا مختلفة تشبه دوي النحل.. ثم لا يلبث أن تسرى عنه تلك الشدة، فإذا هو يتلو قرآنا جديدا وذكرا محدثا".. ثم يتحدث عن سر هذه الظاهرة قائلا: "وكذلك فليؤمنوا بأن نور القمر النبوي إنما كان شعاعا منعكسا على ضوء تلك الشمس التي يرون آثارها وإن كانوا لا يرونها. نعم إنهم لم يرونها بأعينهم طالعة في رابعة النهار، ولم يسمعوا صوتها بآذانهم جرسا مفهوما وكلاما يفقهه الناس، ولكنهم كانوا يرون قبسا منها في الجبين، وكانوا يسمعون حسيسها حول الوجه الكريم، وإن في ذلك لهدى للمهتدين".
هذه عبارات بعض العالمين من البشر وهي على وجهدها رنت إلى سماء لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم.