ومعنى آخر يحدد العدالة ويبين العدل: قال الخطيب حدثني أبو الفضل محمد بن عبيد الله المالكي أنه قرأ على القاضي أبي بكر محمد بن الطيب قال: "والعدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر هي العدالة الراجعة إلى استقامة دينه وسلامة مذهبه وسلامته من الفسق وما يجري مجراه مما اتفق على أنه مبطل للعدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها والواجب أن يقال في جميع صفات العدالة أنها اتباع أوامر الله تعالى والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه مما يسقط العدالة.. وقد علم من ذلك أنه لا يكاد يسلم المكلف من البشر من كل ذنب ومن ترك بعض ما أمر به حتى يخرج لله من كل ما وجب عليه وأن ذلك يتعذر فيجب لذلك أن يقال إن العدل هو من عرف بأداء فرائضه ولزوم ما أمر به وتوقى ما نهى عنه وتجنب الفواحش المسقطة وتحري الحق والواجب في أفعاله ومعاملته والتوقي في لفظه مما يثلم الدين والمروءة فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه ومعروف بالصدق في حديثه، وليس يكفيه في ذلك اجتناب كبائر الذنوب التي يسمى فاعلها فاسقا وزادوا على هذا بعض الذنوب التي ليست من الكبائر، إما لأنها متهمة لصاحبها ومسقطة له ومانعة من ثقته، وأمانته أو لغير ذلك فإن العادة موضوعة على أن من احتملت أمانته سرقة بصله وتطفيف حبة احتملت الكذب، وأخذ الرشاوى على الشهادة ووضع الكذب في الحديث والاكتساب به فيجب أن تكون هذه الذنوب في إسقاطها للخبر والشهادة بمثابة ما اتفق على أنه فسق يستحق به العقاب.."إلى أن قال: "فهذه سبيله في أنه يجب كون الشاهد والمخبر سليما منه.."قال الخطيب: "والواجب عندنا أن لا يرد الخبر والشهادة إلا بعصيان قد اتفق على رد الخبر والشهادة به وما يغلب به ظن الحاكم والعلم أن مقترفه غير عدل ولا مأمون عليه الكذب في الشهادة والخبر ولو عمل العلماء والحكام على أن لا يقبلوا خبرا ولا شهادة إلا من مسلم بريء من كل كذب قل أو كثر لم يمكن قبول شهادة أحد