قال القاضي عياض:"ويؤيد هذا ما جاء عن الجمهور من تفضيل الصحابة كلهم على جميع من بعدهم، وسبب تفضيلهم نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته، وذلك معدوم بعده وكذلك جهادهم وسائر طاعاتهم وقد قال الله تعالى:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا..} الآية [١٥] هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد والخشوع والتواضع وإيثار الجهاد في الله حق جهاده وفضيلة الصحابة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشيء والفضائل لا تؤخذ بقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". وروى الخطيب بسنده عن أبي زرعة يقول:"إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق.. وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق وإنما أدي إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم, وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة"[١٦] .
لماذا لا نجرح الصحابة!
لأنهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته، وإقامة دينه وإظهار حقه فرضيهم له صحابة.
وجعلهم لنا أعلاما وقدوة. فحفظوا عنه ما بلغهم عن الله عز وجل، وما سن وما شرع وحكم وقضى، وندب وأمر ونهى وحظر وأدب.
فالصحابة رضي الله عنهم هم الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى عليه وسلم وانظروا قضاءه وحكمه فيما اختلف الناس فيه، وشهدوا أخلاقه وآدابه، وأحواله وتصرفه في السلم والحرب والمعاهدات، وأمور الدنيا والآخرة، واستقى كل منهم بقدر استعداده من ينبوع الفيض الرباني.