قال الخطيب:"وكذلك أئمتنا في العلم بهذه الصناعة، إنما أطلقوا الجرح فيمن ليس بعدل، لئلا يتغطى أمره على من لا يخبره فيظنه من أهل العدالة فيحتج بخبره، والإخبار عن حقيقة الأمر إذا كان على الوجه الذي ذكرنا، لا يكون غيبة".
يقول أيضا: ومما يؤيد ذلك حديث فاطمة بنت قيس الذي أخبرناه عبد الرحمن ابن عبيد الله الحرفي بسنده عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له.
فقال:"ليس لك عليه نفقة"، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال:"إنها امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم فانه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فأذيني"، قالت:"فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد"، قالت: "فكرهته"ثم قال: "انكحي أسامة ابن زيد" فنكحته فجعل الله فيه خيرا كثيرا واغتبطت به.
في هذا الخبر دلالة على أن إجازة الجرح للضعفاء من جهة النصيحة لتجنب الرواية عنهم وليعدل عن الاحتجاج بأخبارهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر في أبي جهم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه، وأخبر عن معاوية أنه صعلوك لا مال له، عند مشورة استشير فيها لا تتعدى المستشير كان ذكر العيوب الكامنة في بعض نقلة السنن التي يؤدي السكوت عن إظهارها عنهم، وكشفهم عليهم إلى تحريم الحلال وتحليل الحرام.. وإلى الفساد في شريعة الإسلام أولى بالجواز وأحق بالإظهار.