٥- أن معرفة الله تعالى هي أصل الأشياء كلها، حتى أن العارف به سبحانه حق المعرفة يستدل بما عرف من صفاته، وأفعاله على ما يفعله، وعلى ما يشرعه من الأحكام، لأنه سبحانه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، فأفعاله دائرة بين العدل والفضل والحكمة، وكذلك لا يشرع ما يشرعه من أحكام إلا حسب ما يقتضيه حمده وحكمته، وفضله وعدله. فأخباره كلها حق وصدق، وأوامره ونواهيه كلها عدل وحكمة [١] .
مما سلف يتبين أن معرفة الله تعالى لها من الأهمية العظمى للعبد ما لا يتصور استغناؤه عنه، لأنها الركيزة التي يقوم عليها حكمة إيجاده وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له.
لهذا بدأت في محاولة لتنبيه من غفل من المسلمين إلى أهمية العقيدة الإسلامية- أساس هذا الدين- ليجعلوا منطلق أعمالهم منها، حتى تصح لهم بالبناء عليها جميع الأعمال، وعلى الله بعد ذلك في قبولها تنعقد الآمال.
ولقد تبلْور في فهمي ما أردت بيانه في بابين:
الباب الأول: باب (التعرف على الله تعالى) :
وهذا الباب يشمل بدوره قضيتين: إحداهما: (مفهوم الربوبية) وقد أسلفت بيانها تحت عنوان: (مفهوم الربوبية) في أربع حلقات مضَيْنَ.
وثانيهما:(مفهوم الأسماء والصفات) وهي موضوع حلقاتي التي تبدأ بحلقتنا هذه، وأسأل الله أن يريني الحق حقا ويرزقني اتباعه، وحسن بيانه للناس.
وهذا الباب يشمل بدوره قضيتين كذلك: إحداهما: (مفهوم الإلهية) .
وثانيتهما:(مفهوم التشريع) وذلك انطلاقا من قوله جل وعلا: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}(يوسف آية ٤٠) حقا إن أكثر الناس لا يعلمون أن الحكم لله وحده، وأن العبادة كذلك لله وحده سبحانه.