ولم ينس -وهو الرحيم العادل- أولئك الذين خلقهم معدومي القابليات أو ضعاف الأهلية، بل اقتضى عدله ورحمته أن يجعل لهم حصة معلومة في الأموال تغطي ضروراتهم وتسد نفقاتهم، وشرع ذلك بقوله:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الآية.
إن هذه المقدمة وإن كانت ليست من صلب الموضوع إلا أنه يدعوني أن أبدي رأيا عارضا وهو أن الاستخلاف في المال منه سبحانه ليس على قانون الأهليات وإنما على شرعة الابتلاء، فلم يعط الأذكياء لذكائهم، ولم يترك البلهاء لبلههم وعلى صدقات غيرهم كما قال تعالى لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم:{وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ} .
كما أنه أيضا ليس على مقياس الإيمان والكفر كما قال تعالى:{وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .
وقد قيل في المعنى الأول:
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا
هلكن إذا من جهلهن البهائم
ولا بالقوة والضعف أيضا قال الأديب الشنقيطي:
قد تجوع الأسد في آجامها
والذئاب الفبس تعتام القتب
أي بعد قوله:
لا يزهدك أخي في العلم أن
غمر الجهال أرباب الأدب
إن تر العالم نضوا مرملا
صفر كف لم يساعده سبب
وتر الجاهل قد حاز الغنى
محرز المأمول من كل أرب
قد تجوع الأسد... ... ....
... ... ... ... .... ... ....
وقد جعل الله تعالى الغنى والفقر فتنة ليرى الغني أيشكر أم يبطر ويرى الفقير أيصبر أم يضجر.