فأعتقد أن هذا لا لبس فيه لأنها وإن كانت جديدة في أشكالها وصورها فليست جديدة في حقيقتها وأصلها لأن جنسها كان موجودا فالمساكن المؤجرة كانت موجودة وتقدم قول العلماء فيها وسواء أكانت صغيرة أو كبيرة فالكلام على الكيف لا على الكم، وكذلك المصانع فإن قضية حماس مع عمر رضي الله عنه لما رآه يحمل جلودا مصنعة بالدبغ ونحوها، فقال عمر رضي الله عنه:"أدِّ زكاة مالك"، فإذا كان الأصل في جلود الحيوانات كمادة خام وهي الأهب، فإذا دبغت صارت أدما وقد قال حماس:"ما لي مال إلا أدم أبيعها" فهذا معناه تصنيع لما فيه من تطوير المادة الخام، وكذلك ما جاء في حديث سمرة في البزّ والبزّ نسيج تطورت فيه مادته من قطن أو كتان أو مخلوط الحرير مع أحدهما.
فيكون مبدأ التصنيع وزكاة إنتاج الصناعة موجودا ولو بصورة بسيطة أو مبسطة، فيلحق بها كل ما وجد من جنسها من المصانع أيا كان حجمها أو نوع إنتاجها.
وأقوى من هذا من حيث الإسناد، ما رواه الإمام أحمد وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يحث عمر على الصدقة فجاء فقال منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما ينقم ابن جميل إلا إنه كان فقيرا فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدرعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي عليّ ومثلها معها...الخ"، فهنا آلات الحرب مصنعة ظنوها عند خالد للتجارة فطالبوا بزكاتها.
ورد عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأنها هي بنفسها مسبلة في سبيل الله فلا زكاة فيها أي لأنها هي زكاة أي صدقة فتصدق بها، ومفهومه لولا ذلك لزكاها وهي مال مصنع وجبت فيه الزكاة لولا أنها مسبلة عند خالد.