والجواب الثاني أن المراد بقوله:{إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الوجه والكفان كما قال بن عباس رضي الله عنهما وجماعة من السلف ولكن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب ثم أمرن بستر الوجه والكفين بعد نزول آية الحجاب وهي آية الأحزاب المتقدمة وممن نص على ذلك شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ويدل على هذا المعنى ما صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت حين تخلفت عن الجيش في غزوة الإفك وسمعت استرجاع صفوان بن المعطل: "فخمرت وجهي لما سمعت صوته، وكان قد عرفني قبل الحجاب". فدل ذلك على أن النساء بعد نزول آية الحجاب صرن يخمرن وجوههن. وصح عن أختها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت:"كنا نخمر وجوهنا إذا دنا منا الركب". وروي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أنهما قالتا:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إذا دنا منا الرجال سدلت إحدانا خمارها على وجهها". والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة أما حديث أسماء الذي ذكرتم في السؤال وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:"يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يحل أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه" فهو حديث ضعيف الإسناد ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لانقطاعه وضعف بعض رواته.
أما انقطاعه فلأن خالد بن دريك الذي رواه عن عائشة لم يلقها ولم يسمع منها وهذه علة تضعف الحديث وتسقط العمل به كما نبه إلى ذلك أبو داود رحمه الله لما أخرج الحديث المذكور. وأما ضعف بعض رواته فلأن في إسناده سعيد بن بشير الأزدي وهو ضعيف لا يحتج بروايته فاتضح بهذا أن الحديث المذكور لا يجوز الإحتجاج به على إباحة كشف المرأة وجهها وكفيها عند الأجانب لما عرفت من ضعفه بسبب انقطاعه وضعف بعض رواته والله ولي التوفيق.