جاءنا الأخ عبد الغفور في الموعد، وكان بجانب الفندق برج عال وفي أعلاه مظلة تدور بالزائرين ليتمكنوا من رؤية كل ما حول البرج من المدينة والنهر والمدينة الكندية وغير ذلك فصعدنا إلى ذلك المكان الذي لا بد أن يتناول فيه الزائر شيئا ما: طعاما أو شرابا حلالا أو حراما فتناولنا بعض المرطبات اللائقة بنا وقعدنا ننتظر دورة الأرض المصغرة التي لا خلاف في دورانها ونحن نتمتع بجمال تلك المناظر العجيبة: قصور عالية وشوارع مستقيمة، وأخرى ملتوية، ونهر جار، ومراكب بحرية كبيرة وصغيرة، وطائرات هليكوبتر تحلق فوق النهر حتى تكاد تلمس ماءه ولم يسؤنا إلا مناظر الحيوانات البشرية التي مهما حاولت أن تغض بصرك لا تقدر إلا إذا وضعت على عينيك ستارة مثل الستارة التي توضع على أعين أسرى الحرب في بعض الحالات ولكن الذي كان يهون الأمر علينا أننا كنا نحس أن أمامنا حيوانات منتنة، ونساء مترجلات لا توجد بهن إلا خشونة الرجال الوقحين، ثم لا بد من أن نختبر أنفسنا في هذا الجو السيء والله وحده الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأن حلاوة الإيمان الحق لا يذوقها الإنسان إلا حيث يكره نفسه على ما لا تحب "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات".
والذي جعل المنظر أمامنا جميلا هو ما ذكرت أولا يضاف إليه أننا ننظر إلى أراضي دولتين في وقت واحد.
وبعد ساعة تقريبا اصطحبنا الأخ عبد الغفور في جولة حول المدينة على ضفاف البحيرة، وكنا نريد أن ننزل في مكان لنتمتع بجمال البحيرة وجمال البساتين القريبة منها ولكن الأماكن التي مررنا بها كلها لا تليق بنا أن ننزل فيها لما فيها من العري الشديد والاختلاط الفاحش، فعدنا أدراجنا إلى الفندق.
وبعد تناول طعام العشاء ودعنا الأخ عبد الغفور على أن يأتينا غدا الجمعة حيث أصرّ على أن أقوم بخطبة الجمعة لأن الناس يجتمعون في المسجد أكثر من بقية أيام الأسبوع.