كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام يخالف ما كان عليه المشركون من العوائد وكانوا يفرقون شعورهم، وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل فيه وحي؛ على اعتبار أنهم أهل دين في الجملة، وقيل: كان يوافقهم فيما لم ينزل فيه شيء؛ رغبة في استئلافهم وميلهم إليه واتباعهم لشريعته، وكانوا يسدلون شعورهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسدل شعره أولا مخالفة للكفار وموافقة لأهل الكتاب، فلما انتشر الإسلام وأسلم المشركون وظل أهل الكتاب على ما هم عليه وكفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم جحدا وعنادا خالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سدلهم الشعر وكان يفرقه ويأمر زوجاته أن يفعلن ذلك به؛ ففي حديث ابن عباس عند البخاري:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد"[٤٩] .
وفي الموطأ سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك" [٥٠] .
حكم الفرق:
حكى الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض: أن الفرق سنة واستند إلى أنه هو الذي استقر عليه حال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويفهم مما حكاه الحافظ عن بعض العلماء، أن الفرق واجب وأنه قد نسخ به السدل، ووجهه: أنه قد جاء في حديث ابن عباس: "كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء"، فالظاهر أنه فرق بأمر من الله، وقد حكى عن عمر بن عبد العزيز، كما جزم بذلك الحازمي.
أقول إن الظاهر الذي حكاه الحافظ قد صرح به في رواية معمر إذ جاءت بلفظ: "ثم أمر بالفرق"ومعلوم أن الأمر إذا أطلق يستفاد منه الوجوب.