للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث المصدر به البحث يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم"واللعن هو الطرد، فقد دعا رسوله الله صلى الله عليه وسلم على من فعل ذلك بالطرد وهو البعد عن رحمة الله تعالى، كما أخبر صلى الله عليه وسلم أن من فعل ذلك فقد أحل بنفسه الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، هذا واللعن الصادر منه صلى الله عليه وسلم على ضربين: أحدهما يراد به الزجر عن الشيء الذي وقع اللعن بسببه، وهو مخوف فإن اللعن من علامات الكبائر، والآخر يقع في حال الحرج وذلك غير مخوف بل هو رحمة في حق من لعنه بشرط أن لا يكون الذي لعنه مستحقا لذلك فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إني اتخذت عندك عهدا لا تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" [١٠] ، وفي حديث أنس رضي الله عنه "إنني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة" [١١] ولقد كان صلى الله عليه وسلم في نهاية الشفقة والرحمة بأمته. ومعنى كونه "ليس لها بأهل"أي في حقيقة الأمر عند الله تعالى ولكنه في ظاهره مستوجب لذلك بأمارة شرعية، وهو صلى الله عليه وسلم يحكم بما ظهر له والله يتولى السرائر.

وقيل إن ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من ذلك ليس مقصودا، بل هو مما جرت به العادة وسبق به اللسان، ولا يراد حقيقة الدعاء فخاف أن يصادف شيئا من ذلك إجابة فسأل الله أن يجعل ذلك خيرا لصاحبه، ولم يكن يقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك إلا نادرا لسعة حلمه وعفوه، ولم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا، بل كان رفيقا حليما يحب الرفق في الأمر كله.