{أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} أي أساس التمكين أن يقوم الممكَّن بما يجعل من نفسه نموذجا طيبا يُتَّبع الذين سادهم وتولى أمرهم، وأساس هذا الذي يجعل منهم أهلا إلى أن يهابوا ويُتبعوا، هو أن يتبّعوا ما أمر به من الله جل علاه، ومستحيل أن يكون ذلك بغير الصلاة والزكاة، واكتفت الآية بهما لأنهما قمة العبادات وأحبها إلى الله، وإتيانهما بصدق يلزم المعتز بهما أن يجعل بقية العبادات في نفس الدرجة من حيث الحرص والأداء، ولو كانت سننا ومستحبات {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} . فهو بعد أن يأخذ نفسه أولا حتى يرى من رعيته على الحال الجميل الذي أسلفنا، فتأتي النظرية المأثورة سلسلة سهلة (الناس على دين ملوكهم) ، لكنه لم يقف عند تأثر الناس بمسلكه، بل راح يبحث ويراقب من حاد عن هذا المسلك، وبذلك أصبح آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر بما كرمته به الآية، ولأن الله شد ملكه ومكن سلطانه، لا يكتفي بالأمر بالمعروف والنهي على طريقة الوعاظ الذين لا يملكون إلا الكلمات يحركون بها اللسان، ثم ينفلتون تاركين الخيار لمن استمعوا إليهم طاعة أو معصية، ولكن الحاكم القائم بأمر الله يملك اللسان والسنان معا، ويعطي لكلٍّ من معينه حتى يلتقي النوعان معه على وجه، هو ثم وجه الله {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} ، فإن كان أمر الحاكمين والمحكومين على إيداع ما ذكرت الآية، فلن يكون هناؤهم وعزهم في الدينا فقط بسبب ما أطاعوا به الله، وإنما في العاقبة الكبرى لهم شيء آخر ما خطر على البال {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} أي في الدنيا {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي سيكون جزاء الآخرة أحسن من ذلك الذي استحسنوه في الدنيا، وإن كان الأمر على غير ما ذكرت الآية، فالعاقبة أيضا في انتظار وصولهم إليها، ولكن شتان، على صورة ما قال الشاعر: