للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فالوعد بالخير لا يعطى إلا لمن قدَّم له، وعكسه له الوعيد وليس الوعد، فأصحاب الوعد هم المذكورون بصفتهم الموضحة في الآية - آمنوا وعملوا الصالحات - ذلك لأن الكثير يدعي الإيمان، ولكن الدورة الإيمانية في القلب أضعف من أن تحرك آلات الجسم بالعمل الصالح، ومن هنا فحظه في وعد الله بعيد المنال، أما إذا كانت قوة الدفع في القلب تجعل الدورة دفاقة إلى جميع البدن، فستجعله ينحني راكعان ويمد يده مزكيا، ويلجم نفسه صائما، ويجعل من الحلال والحرام جنديين يقظين يوقفانه عند حدود الله، ومن أصبح منتجا للخير يفيض منه على نفسه وغيره، فكان أن أردفت الآية ترفع شأنه لتجعله أهلا للظفر بالوعد الصدق وهو:

{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ، والاستخلاف نوعان: نوع خاص، وهو الخلافة والإمارة فيصبح جليلا مهابا يرهب منه ويرغب فيه، ونوع عام وهو الاستخلاف في تولي الأعمال بجميع أنواعها والاستيلاء بالوصايا والهدايا والتوارث ونحو ذلك، فيصبح المجتمع كله نعم الخليفة لله في أرضه، وفي الآخرة هم سعداء خلقه {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَة} {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَر} ، هكذا مجتمع المعرفة بالله، من قبل ومن بعد، ثم تستمر الآية التي نحن بصددها والتي أعطت حق العمل الجليل المستمر من السفح إلى الذُّرى قائلة: