{وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} إذ لا عمل ولا هناء بعمل ولا استقرار به من الفرد إلى المجموع إلى الحاكم إلا بالدين الذي ارتضى لهم، وليس سواه البتة {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} ، يمكنه الله لهم يجعلهم يعيشون في عز أحكامه ونور تنفيذه، يعبدون به ويحكمون به ويسوسون بأوامره ونواهيه، ويقاتلون به ومن أجله، وينشرونه ويمكنون مكانه في البلاد والعباد، وهل إذ أصبح قوم هذا شأنهم يخوفهم الله من أحد سواه؟ {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} فلا قوة كفار أفرادا كانوا أو دولا يستطيعون تخويفهم أو كسر شوكتهم، أليس الله بكاف عبده؟ {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِه} ، ثم تستمر آياتنا قائلة:
{يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} ثناء من الله عليهم أولا، وسبب لما أصبحوا فيه ثانيا، وهل يكون العابد الموحد، والمعتمد على قهر القاهر فوق عباده، وعلى القائل عن نفسه {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنّ} هل يكون هذا النوع من الذين أدركوا الحقيقة، إلا أن يمكن لهم في الدنيا وفي الآخرة من مالكهما وحده علا وعز.
{وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فبعد أن علم وفهم، ثم أنكر وراح يكفر، فهل بأقل من الفسق يوصف، وما من وصف هو أدنأ من الفسق، فهو لمعصيته المتمردة على كل معقول ومنقول مقبول، فهو متمرد على نفسه وظالم لها مبين، وكتمرد على كل ناصح أمين، ونهاية الأمر أن ذلك أوصله إلى التمرد على رب العالمين، فهل يبقى هملا ويترك عبثا، أم هو هذا الاستفهام الإنذاري التحقيري {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} .