لقد عاقبت أوربا مفكريها في أحقاب متقاربة بالموت عددا بلغ في مجموعه ثلاثمائة ألف، قتلوا منهم إحراقا بالنار وهم أحياء اثنين وثلاثين ألفا، منهم الباحثان الشهيدان (برونو) و (غاليليو) ، والأخير لأنه قال بدوران الأرض حول الشمس - سواء كان ذلك خطأ أو صوابا - فما كانت هناك ضرورة لقتله، ولما قال (دي رومنس) إن (قوس قزح) يظهر من انعكاس ضوء الشمس في ماء السحاب، وليس قوسا حربيا في يد الله ينتقم بها من عباده كما يقول الرهبان الكنسيون ليرهبوا الناس، فكان أن سجن حتى مات، ثم حاكموا جثته فألقيت في النار، وأحرقوا (جيوفث) و (فأيتي) شيا على النار لأفكار قد لا تستحق عندنا التعزير من الإمام، إن لم يكن لها قدر واحترام، ونحن المسلمين ماذا كنا وقتئذ؟ لو تحدثنا عن أنفسنا لقيل إنه شيء طبيعي أن يقول الشخص عن نفسه ما يزين به وينكر ما يشين، لهذا سنقدم إليك أيها القارئ العزيز ما قاله مفكر منهم في كتاب ألفه بعنوان (خلاصة تاريخ العرب) وهو الوزير الفرنسي (سيدو) يقول فيه:
لقد أتى محمد فربط علائق المودة بين قبائل جزيرة العرب، ووجه أفكارها إلى مقصد واحد أعلى شأنها، حتى امتدت سلطنها من نهر التاج المار بإسبانيا والبرتغال، إلى نهر الكونج وهو أعظم أنهار الهند، وانتشر نور العلم والتمدن بالشرق والغرب، وأهل أوروبا إذ ذاك في ظلمة القرون المتوسطة وجهالتها، وكأنهم نسوا نسيانا تاما ما وصل إليهم من أحاديث اليونان والرومان أسلافهم الأقدمين، واجتهد العباسيون ببغداد، والأمويون بقرطبة، والفاطميون بالقاهرة، في تقديم الفنون، ثم تمزقت ممالكهم، وفقدوا شوكتهم السياسية، فاقتصروا على السلطة الدينية التي استمرت لهم في أرجاء ممالكهم.