ونحن لا نريد أن يفهم من هذا أن هؤلاء الذين أرادوا أن يلجوا ميدان الشريعة كانت دوافعهم دنيوية، فقد كانت دوافعهم كما هو واضح من أحاديثهم وسيرهم دينية، فهم يريدون خدمة العلم وتقديم ما يحملون من علم للناس، وهم لا يستطيعون تقديم شيء للناس إذا كان الناس لا يعتدون ببضاعتهم.
وقد دخل بناء على ذلك كثير من علماء اللغة وعلماء الكلام ميدان الشريعة، ووجدوا أن أوسع أبواب دخولهم هو علم الأصول، لأن علم الأصول يوضح كيف تفهم ألفاظ القرآن والحديث وعباراتهما، وعمومهما وخصوصهما، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، ودلالات الألفاظ، وإشارات النصوص، والناسخ والمنسوخ، إلى غير ذلك من القضايا التي ترتبط بفهم اللغة ارتباطا تاما.
وكذلك فإن علم الأصول هو الذي يبين فلسفة التشريع، وأهداف الشريعة وأغراضها وعللها ومبادئها، ومكان العقل البشري من الشريعة إجمالا ما يوجب الثواب والعقاب عن أفعال العباد.
ويبين الدليل والبرهان والحد والرسم والقياس، ويبين أساس تشريع الأحكام ومدخل حسن الأفعال وقبحها العقليين في ذلك، وغير ذلك من القضايا المتعددة التي ترتبط بعلم الكلام والمنطق والعقيدة.
لهذا فقد وجدنا كثيرا من علماء اللغة والكلام والمنطق قد ولجوا علم الأصول وألفوا فيه كتبا وأبرزوا فيه قدراتهم اللغوية والمنطقية والعقلية.
ومن هنا برزت قضايا الكلام واللغة بصورة واضحة في بعض المؤلفات مما دعا بعض كتاب الأصول المعاصرين إلى القول: إن بعض القضايا الكلامية وردت في كتب الأصول من غير حاجة إلى إيرادها غير رغبة علماء الكلام في إبرازها ليمارسوا قدراتهم الكلامية.
ومن غير علماء اللغة والكلام فقد كان هنالك علماء في ميادين أخرى دخلوا ميدان علوم الشريعة وكان مدخلهم هو علم أصول الفقه لأنهم وجدوه يتصل بعلومهم التي أتقنوها ووجدوه علما خصبا.