ونزعوا خطام البعير من يده، وأخذوا منه زوجه، فلما رأى قوم أبي سلمة ذلك قالوا:"لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا"، وتجاذبوا الصبي حتى خلعوا يده، وانطلق به رهط أبي سلمة.
وهكذا تشتت الأسرة، قوم أم سلمة حبسوها عندهم، ومنعوها من الخروج مع زوجها، وقوم أبي سلمة أخذوا الصبي الصغير عندهم نكالا في أم سلمة، وأبو سلمة ذهب وحده مهاجرا إلى المدينة [١] .
وإننا لنرى في هذه الأمثلة محاولات مستميتة لصد المؤمنين عن الهجرة، لا حبا لهم، ولا إشفاقا عليهم من وحشة الغربة وآلامها، ولكن لفتنتهم وصدهم عن سبيل الله، ولكن هيهات، فقد صمم المؤمنون على الفرار بدينهم، والتضحية بكل غال وعزيز لديهم حتى يبلغوا غايتهم.
وصل المهاجرون إلى المدينة تباعا، وهاجروا جامعات وفرادى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم في مكة ينتظر أمر ربه، وحين أذن له في الهجرة اصطحب أبا بكر رضي الله عنه وودعا مكة، وسارا إلى المدينة، ودخلاها في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى [٢] وبدت الشمس في كبد السماء [٣] .
واستقبل الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه ومن قبلهما المهاجرين من المسلمين بالحفاوة والتكريم، وأحلوهم من أنفسهم محل التبجيل والتوقير، وآثروهم على أنفسهم، وقاسموهم لقمة العيش، وعوضوهم عما فقدوا برا ومحبة وإخلاصا.
٣- اسم جديد ليثرب:
سكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، وكانت تعرف عند العرب بيثرب، ولم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، وكأنه لمح فيه معنى التثريب - وهو اللوم والتوبيخ - فغير اسمها وسماها المدينة.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي الناس، كما ينفي الكير خبث الحديد".