وحيث ثبت بالتحقيق العلمي أن البلدة عرفت من قديم الزمان باسم يثرب، كما عرفت باسم المدينة فيما نقله الدكتور جواد عن اصطيفان البيزنطي فإن معنى هذا، أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون قد نهى عن تسميتها يثرب لما فيه من معنى التوبيخ واللوم، وأقر تسميتها المدينة على ما كانت عليه، وزاد على ذلك فسمى سكانها الأنصار، وسماها طيبة وطابة [٨] .
٤- عوامل نجاح الدعوة في المدينة:
لم تأخذ الدعوة الإسلامية وضعها الطبيعي في مكة، ولم تهيأ لها الظروف التي تستطيع فيها أن تأخذ طريقها إلى قلوب الناس، وذلك لأن أهل مكة حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما آتاه من فضله، وقالوا:{لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[٩] ودفعهم هذا الحسد إلى الوقوف في وجه الدعوة وصرف الناس عنها بالإيذاء والتعذيب تارة، وبافتراء التهم والأكاذيب تارة أخرى.
وعاش المسلمون في مكة أصعب فترة في حياتهم، عاشوا مهددين في أرواحهم محرومين من حقوقهم، يتوقعون نزول الموت أكثر مما يأملون من الحياة، وكان هذا الموقف من المشركين من أكبر العوامل على توقف تيار الدعوة في مكة، وأعظم مؤثر في صد الناس عنها، حتى كانت القبائل ترد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يعرض عليها الإسلام بقولها:"أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك"[١٠] .
وعلى العكس من موقف أهل مكة كان موقف أهل المدينة من الدعوة الجديدة، فقد تهيأت في المدينة الظروف، واستعدت النفوس لقبول الدعوة وتوفرت الدواعي التي مهدت لاستقرار الدين في القلوب. فلم يكد رسول الله يعرض نفسه ويشرح دعوته للنفر الذين قدموا من المدينة حتى اشرأبت له الأعناق، وتطلعت إليه القلوب، وأقبل عليه أهل المدينة مخافة أن يسبقهم إليه اليهود.