كان وجود اليهود في المدينة سببا من أسباب تهيئة الجو، وإعداد النفوس لتقبل الدين الجديد، فقد كانوا أهل كتاب، وكانوا ينشرون تعاليم دينهم، ويعيبون الوثنية وأهلها، ويخوفون الناس من يوم تشتد فيه الأهوال، وكانوا كلما توترت الأوضاع بينهم وبين العرب يتوعدونهم بظهور نبي آخر الزمان، وأنه سيبعث بدين سماوي يوافق دينهم، ويكسر الأصنام، ويحارب من يعبدها.
كذلك كانت الخصومة بين اليهود وبين الأوس والخزرج سببا آخر من أسباب استعداد العرب للدخول في هذا الدين حيث اليهود يهددون العرب بأنهم سينضمون إلى هذا النبي عند ظهوره، وسيقتلونهم معه قتل عاد وإرم [١١] .
لا شك أن تعاليم الدين اليهودي، وترديد ذكر يوم القيامة وما فيه من حساب وعقاب وجنة ونار. والتنديد بالأصنام، والاعتراف بوجود إله واحد لا شريك له، كل ذلك كان تهيئة للنفوس، وشحذا للعقول، ومقدمة جيدة لاستقبال تعاليم الدين الجديد، لأن الذي سيلقى عليها من تعاليمه لا يخرج عن ذلك، فتكون النفوس قد سمعته وألفته.
كما كانت الخصومة بين العرب واليهود سببا من أسباب حرص العرب على الدخول في الإسلام فلم يكد رسول الله يعرض الإسلام على النفر الذين قدموا من المدينة للحج، ويدعوهم إلى الإسلام حتى قال بعضهم لبعض:"يا قوم، تعلموا والله إنه للنبي الذي تهددكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه"فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام [١٢] .
ب- سيطرة الأوس والخزرج على المدينة:
كان الأوس والخزرج قبل الإسلام قد سيطروا على الأوضاع الداخلية في المدينة، حيث تغلبوا على اليهود، وأخضعوهم لسلطانهم ورضي اليهود بالعيش معهم كموال لهم، وبذلك أصبح موقف الأوس والخزرج في المدينة موقف السيد المسيطر، فهم لا يخافون أحدا، بل ولا يحسبون لأحد حسابا إذا عزموا على فعل شيء.