وكان نجاح الأوس والخزرج السياسي، وتسلطهم على مقاليد الأمور في يثرب سببا قويا من أسباب نجاح الدعوة الإسلامية فيها حيث دخلها الإسلام على أيد قوية، تملك التصرف في شئونها، وتستطيع أن تقرر مصيرها دون أن ترجع إلى غيرها في ذلك، وبقبول الأوس والخزرح واستجابتهم لما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون الإسلام قد دخل المدينة من باب واسع، لا يزاحمه فيه شيء، ولا يستطيع أحد أن يعترض على دخوله إليها، أو يقف في طريق المؤمنين به.
وبذلك تكون الفرصة قد تهيأت لأن يستمع الناس للدين الجديد، وأن يتدبروه بعقول حرة لم تكبل بأغلال الظالمين الصادين عن سبيل الله، وكانت نتيجة ذلك أن أقبل الناس على الإسلام، واعتنقه السادة من القوم ودخل فيه المنصفون حتى من اليهود أنفسهم كعبد الله بن سلام ومخيريق.
جـ - حرب يوم بعاث:
دامت الحرب بين الأوس والحزرج زمنا طويلا، بدأت بحرب سمير وانتهت بحرب يوم بعاث، وقدر بعض المؤرخين الفترة التي دامت فيها تلك الحروب بمائة وعشرين عاما [١٣] .
هذه الحروب أكلت قوة القوم، وذهبت بالكثير من رؤسائهم حتى لم يبق من الحيين سوى أفراد لم تكن لهم منزلة الزعماء السابقين ومكانتهم في قومهم، فقد كان هؤلاء الزعماء الذين أهلكتهم الحرب معتزين بشخصياتهم، كما كانوا موضع احترام وإجلال من أفراد قبائلهم، وكانت لهم الكلمة العليا في البلاد لا ينازعهم الرأي أحد ولا يتطلع إلى السيادة دونهم إنسان.