ثم بدأت مفاروضات الصلح بين الطرفين غير أن السلطان فرج اضطر إلى مغادرة الشام لإحباط مؤامرة في مصر دبرت لخلعه فرأى علماء دمشق وفقهاؤها ومعهم ابن خلدون المؤرخ العربي المشهور رأوا أنه لامناص من التماس الأمان والصلح مع تيمور لنك فتظاهر بإجابة ملتمسهم ولكنه غدر بهم وأسلم المدينة للنيران [٢٤] .
وبعد أن عاد الناصر فرج إلى القاهرة أرسل رسالة شديدة اللهجة إلى إلى تيمور لنك يخبره فيها أنه عائد إلى الشام ليطرده منها وأنه لم يترك الميدان خوفا منه ولا ضعفا عن منازلته ولكن أمورا داخلية اضطرته إلى الرجوع إلى عاصمة ملكه وأنه سوف يعود إلى ميدان القتال بمجرد انتهاء مهمته في القاهرة.
وقد أشعلت هذه الرسالة نار الحقد في نفس تيمور لنك فصمم على الانتقام.
ولكنه غادر الشام قبل أن ينفذ ما صمم عليه، ولا يستبعد المستشرق الألماني ((بروكلمان)) أن يكون تيمورلنك قد تذكر بطولة جيش مصر في مقاومة جيش هولاكو وسحقه فأراد أن لا يعرض جيشه لما تعرض له جيش المغول على عهد هولاكو [٢٥] .
وقبل أن يغادر تيمورلنك دمشق نقل صفوة علمائها ونخبة من صناعها وأهل الفن فيها إلى عاصمته ((سمرقند)) فبدأت الصناعات الدقيقة والفنون الجميلة تزدهر هناك وانحطت الصناعة في دمشق، وندرت الفنون الجميلة.
ولم يقدر لتيمورلنك أن يعود إلى بلاد الشام مرة أخرى فقد أمضى العامين التاليين في غزو آسيا الصغرى وتمكن من هزيمة السلطان العثماني با يزيد الأول وأسره وشغل بذلك عن مهاجمة الشام ولم تمهله المنية حتى يحقق هذه الأمنية حيث توفي سنة ٨٠٧هـ وبعد موته ضعف جانب المغول ولم يعد يخشى على البلاد الإسلامية منهم بل هدى الله سبحانه وتعالى الأجيال التالية منهم إلى الإسلام وجعلهم أنصارا له.