ثم قال تعالى بعد ما قص من خبر هؤلاء:{فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَاب} . أي الأفاهام المستقيمة لا تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم {يَا أُولِي الأَلْبَاب} ، {الَّذِينَ آمَنُوا} . أي صدقوا بالله ورسله قد أنزل إليكم ذكرا يعني القرآن كقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . وقوله تعالى:{رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ} قال بعضهم: {رَسُولاً} منصوب على أنه بدل اشتمال وملابسة لأن الرسول هو الذي بلغ الذكر، وقال بن جرير: الصواب أن الرسول ترجمة عن الذكر يعني تفسيرا له ولهذا قال: {رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات} أي في حال كونها بيِّنة واضحة جلية {لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} كقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} .وقال تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} . أي من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم.
وقد سمَّى الله تعالى الوحي الذي أنزله نورا لما يحصل به من الهدى كما سماه روحا لما يحصل به من حياة القلوب فقال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً} . قد تقدم تفسير مثل هذا غير مرة بما أغنى عن إعادته هاهنا ولله الحمد والمنة.