لقد قارن أهل العلم بين موقف أبي بكر من هذه القضية وبين موقف عمر رضي الله عنهما فخرجوا بنتيجة حاسمة ألا وهو فقه أبي بكر وسعة علمه، وأنه أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق.
وهناك مظاهر كثيرة تجلى فيها فقهه وعلمه رضي الله عنه.
حسبنا منها قول النبي صلى الله عليه وسلم:"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" وقوله في رواية الترمذي: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره".
حلمه وتواضعه:
وبما أن الحلم والتواضع من مكارم الأخلاق والداعي الصادق في دعوته لا غنى له عنهما بحال من الأحوال، إذ ضد الحلم السفه والطيش ومقابل التواضع الكبر، والعياذ بالله، فمن هنا نذكر بعض مظاهر هاتين الخلتين الكريمتين في أبي بكر الصديق وهو أحد نماذج الدعاة الصالحين بعد الأنبياء المرسلين. فنقول ذكر السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء الراشدين أن ابن عساكر رحمه الله تعالى أخرج في كتابه أن أنيسة قالت:"نزلت بفناء أبي بكر ثلاث سنين قبل أن يستخلف وسنة بعد ما استخلف، فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن فيحلبهن لهن"، إن عملا هكذا أبو بكر الوزير والصاحب الأول والصديق الأوفى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هو خليفة المسلمين كافة يتنازل في تواضع لا نظير له عند أمثاله في دنيا الناس أبدا فيحلب لجواري الحي أغنامهن، إنها لمثل في التواضع لا يسامى فيه أبو بكر ولا يدانى بحال من الأحوال.
وأخرج ابن عساكر أيضا عن أبي صالح القفاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتعهد عجوزا كبيرة من النساء عمياء في بعض أطراف المدينة يسقي لها ويقوم ببعض أمرها وذلك من الليل، فكان يأتيها أحيانا فيجد غيره قد سبقه إليها فسقى وقضى حاجتها فحاول عمر أن لا يسبقه فوجده أبا بكر الصديق، والعجب في ذلك أنه كان يفعل ذلك أيام خلافته رضي الله عنه فقال عمر لما تبين له أنه أبا بكر أنت هو لعمري! .