ففي هذه الخطبة الموجزة الفصيحة البليغة قرر أبو بكر بيعة المسلمين له، في تواضع كامل، حيث قال:"قد وليت عليكم ولست بخيركم"وقابل فيها الإحسان وطالب مبايعيه بإعانته في حال إحسانه في حكمهم وإدارة شؤونهم، وبتقويمه وتسديده في حال خطئه وإساءته كما أعلمهم أن القوي والضعيف أمام الحق متساويان، وأنه لابد من إنصاف القوي من الضعيف مهما كانت قوة القوي وضعف الضعيف وأعلن مبدأ الجهاد وقرره ودعا إلى القيام به، وحذر من الخيانة والفساد والشر، وختم خطابه بتقرير مبدأ البقاء للأصلح بقوله:"أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم"، فاشتمل خطابه على دعائم سياسته وخطط حكمها فضرب بذلك المثل واستلم من يومئذ القيادة وساس الأمة بما رسم من خطط فكان أشبه بنبي في أمة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم.
وفاته رضي الله عنه:
ولم تكتمل الثلاث سنوات التي تولى فيها أبو بكر الصديق المسلمين حتى وافاه أجله فتوفي في بيته نتيجة مرض لازمه قرابة نصف شهر ودفن بجوار نبيه وحبيبه ولحقت روحه بالرفيق الأعلى فسلام الله عليه ومغفرته ورضوانه.
أخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وله ثلاث وستون سنة". فرضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه.
عمر بن الخطاب
إن كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه الأول في سلسلة الدعاة الصالحين في هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم فإن عمر بن الخطاب يكون حلقة الثانية من تلك السلسلة فهو أفضل هذه الأمة وأكرمها على ربه تعالى بعد أبي بكر الصديق، ولا نزاع، فمن هو عمر يا ترى؟ وما هي مظاهر كماله التي يقتدى به فيها، وهو أنموذج من الدعاة الصالحين؟.