للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الزهد في الدنيا والإعراض عن طلب زينتها، والعزوف عن شهواتها دلالة على كمال إيمان المرء ورجاحة عقله إذ الدنيا حقيرة، وزينتها خداع وشهواتها آلام تدفع بآلام أشد منها وفي الحديث: "لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة لما سقى الكافر منها جرعة ماء".

وفي القرآن الكريم: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ, وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} .

ومن هنا كان أكمل الناس إيمانا وأرجحهم عقلا من عزف عن الدنيا، وترفع عنها، واستهان بشهواتها وتخلى عنها إلا ما كان بلاغا لا بد منه.

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان مثلا ناطقا في هذا الباب، وباستعراضنا لمواقفه التالية تتأكد هذه الحقيقة عندنا، ويثبت زهد عمر لدينا.

ذكر السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء الراشدين أن ابن سعد أخرج أن حفصة وعبد الله ابني عمر وغيرهما كلموا عمر فقالوا: لو أكلت طعاما طيبا كان أقوى لك على الحق؟ قال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم، قال: قد علمت نصحكم، ولكني تركت صاحبي على جادة، فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل.

وذكر القرطبي في تفسيره عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال: لو شئت كنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا، ولكني أستبقي طيباتي للآخرة، قال: ولما قدم عمر الشام صنع له طعام لم ير قط مثله، قال: هذا لنا؟ فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير! .