فقال خالد بن الوليد: لهم الجنة. فاغرورقت عينا عمر بالدموع، وقال: لئن كان حظنا من الدنيا هذا الحطام، وذهبوا هم في حظهم بالجنة، فلقد باينونا بونا بعيدا.
وذكر ابن سعد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه. وذكر ابن سعد أيضا أن عثمان النهدي قال: رأيت على عمر إزارا مرقوعا بأدم. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر فما ضرب فسطاطا ولا خباء كان يلقي الكساء على الشجرة ويستظل تحته، وقال: قال عبد الله بن عيسى: كان في وجه عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء.
والذي ينبغي أن يذكر هنا ونحن نستعرض زهد عمر من خلال ذكريات حياته الخالدة في عالم الفضائل والكمالات أن زهد عمر قد تلقاه دروسا علمية من سيد الزاهدين كلهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وهذا مسلم يروي لنا الرواية التالية فيقول: إن عمر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربته حين هجر نساءه، قال فالتفت فلم أر شيئا يرد البصر إلا إهبا جلودا معطونة قد سطع ريحها، فقلت: يا رسول الله أنت رسول الله وخيرته، وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير؟ قال: فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: استغفر لي، فقال: "اللهم اغفر له فبمثل هذا الدرس النبوي تشبعت روح عمر بمعاني الكمال وأصبح عمر في ذلك نعم المثال.