إن تواضع عمر رضي الله عنه ليس مقصورا على خدمة الأرامل، وضعفة المسلمين، ولا على أكله الخشن ولباسه الخشن، فإن وراء ذلك ما هو أعظم إنه معرفة الحق والخضوع له وقبوله ممن يقوله ويدعوه إليه ولنكتف في ذلك بالرواية التالية: خطب عمر الناس يوما فنهى في خطابه عن التغالي في المهور فقامت امرأة فقالت: "يا عمر أنصدقك أم نصدق قول الله تعالى- وفي لفظ أيعطينا الله وتمنعنا يا عمر- يقول الله تعالى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} "فقال عمر: "صدق الله وكذب عمر وأصابت المرأة وأخطأ عمر"، وفي رواية كل الناس أفقه منك يا عمر.
سياسته وقضاؤه:
إن سياسة عمر الرشيدة السديدة التي كان من آثارها الفتوحات العظيمة إذ تم على عهد حكمه فتح العراق وفارس والشام وفلسطين ومصر وازدهرت على عهده البلاد الإسلامية ازدهارا لم تزدهر قبله ولا بعده مثله أبدا فعز الإسلام والمسلمون ونعمت أمة الإسلام بالأمن والرخاء في كل ديارها ومن هنا لم تصبح بنا حاجة إلى ذكر نماذج من أوجه سياسته لأمة الإسلام، التي حكمها بإذن الله عمر رضي الله عنه.
أما قضاؤه فحسبنا أن نستعرض له كتابه إلى أبي موسى الأشعري حيث جمع فيه أصول القضاء وقواعده، وأتى فيه بما لم يعرفه القضاء في أي عصر من عصور الأمة الإسلامية خلا عهد رسوله الله صلى الله عليه وسلم وخليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهذا نص الكتاب فلنقرأ متملينه متأملين فيه فإنه لوحة مشرفة في القضاء ونظام خالد للقضاة في دنيا المسلمين قال رضي الله عنه: "أما بعد ...