للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس أدل على علم عمر رضي الله عنه من موافقاته للقرآن الكريم تلك الموافقات التي يرى فيها عمر الرأي فينزل القرآن بموافقته فيما رآه وتقريره ومن ذلك أسرى بدر إذ رأى قتلهم، ورأى غيره فداهم فنزل قول الله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .

ومنه رأيه في احتجاب نساء الرسول حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أمرت أمهات المؤمنين أن يحتجبن"فنزلت آية الحجاب: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} .

ومنه رأيه الصلاة خلف المقام وإشارته بذلك فأنزل الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} .

ومنه قوله لما تمالأ بعض نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لغيرتهن فاعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يا رسول الله، ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك والملائكة وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك فأنزل الله تعالى قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنّ} الآيتين.

والذي عرف إيمان عمر وتقواه لم يشك في علمه أبدا لأن العلم نور يقذفه الله في قلوب عباده المؤمنين المتقين، فليس هو بكثرة الرواية ولا بكثرة الدرس والتحصيل كما بقولون وتلك الفراسة القوية التي أوتيها عمر وشهد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "لو كان في أمتي محدثون لكان منهم عمر وشهد بها ابنه عبد الله حيث قال: "ما قال أبي في شيء أظنه كذا، إلا كان كما ظن، ما هي إلا من نور علمه وصفاء روحه، وقوة يقينه".

فعن هذه الثلاث مكتملة تتولد الفراسة ويعظم الفرقان فيصبح صاحبها يقول فلا يخطئ ويظن فلا يكذب، وما أحوج الداعي إلى الله تعالى إلى مثل علم عمر وإيمانه وقوة يقينه ليحظى بالفرقان ويظفر بالفراسة فينجح في دعوته، ويصل إلى أقصى ما يريده لها من الذيوع والانتشار.

تواضعه: