ومن مظاهر العدل الشورى، وقد عرف عمر رضي الله عنه بما لا مجال للشك فيه أنه كان يستشير أصحابه ويعرض عليهم كل ما يهمه من أمر المسلمين إذا التبس عليه، ويسترشد بآرائهم، ويأخذ بما يراه أقرب إلى الحق والصواب في كل ما يشتبه عليه من الأمور ويختلط.
والرواية التالية تمثل نموذجا لما يراه عمر في الشورى ويؤمن به، روي أنه قال لأصحابه يوما:"دلوني على رجل أستعمله على أمر أهمني"، قالوا:"فلان"، قال:"لا حاجة لنا فيه"، قالوا:"فمن تريد؟ "قال: "أريد رجلا إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم"، قالوا:"ما نعرف هذه الصفة إلا في الربيع بن زياد الحارثي"، قال:"صدقتم"، فولاه.
وروي أن أهل الكوفة قدموا يوما يشكون أميرهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:"من يعذرني من أهل الكوفة إن وليتهم التقي ضعفوه [٣] وإن وليتهم القوي فجروه [٤] " فقال المغيرة بن شعبة: "يا أمير المؤمنين إن التقي الضعيف له تقواه ولك ضعفه وإن القوي الفاجر لك قوته وعليه فجوره، قال: "صدقت، أنت القوي الفاجر فاخرج إليهم".
علمه:
إن علم ابن الخطاب كان مسلما به بين علماء الصحابة رضوان الله عليهم ولو اكتفينا بقول علي رضي الله عنه فيه: "إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر"، أخرجه الطبراني في الأوسط لكفانا دليلا على علم عمر ولو طلبنا الشهادة على علم عمر لكفتنا شهادة عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان إذ قال الأول: "لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان، ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم"ولقد كانوا يرون أنه ذهب تسعة أعشار العلم، أخرجه الطبراني في الكبير.
وقال الثاني أي حذيفة رضي الله عنه: "كان علم الناس مدسوسا في حجر عمر".