وروي أن أبا موسى الأشعري كان عاملا لعمر رضي الله عنهما، وأنه أعطى يوما رجلا من رجاله بعض سهمه فرفض أن يقبله فجلده أبو موسى عشرين سوطا وجز شعره عقوبة له فأخذ الرجل شعره وأتى عمر فشكا إليه ما لقي من عامله أبي موسى رضي الله عنه فكتب عمر إلى أبي موسى:"سلام عليك أما بعد فإن فلانا أخبرني بكذا وكذا فإن كنت فعلت ذلك في ملأ من الناس فعزمت عليك لقعدت له في ملأ من الناس حتى يقتص منك، وإن كنت فعلت ذلك في خلاء من الناس فاقعد له في خلاء من الناس"فقدم الرجل على أبي موسى وتعاظم الناس الأمر وقالوا له اعف عنه فقال الرجل: "لا والله لا أدع حقي لرجاء أحد من الناس"فلما قعد أبو موسى للقصاص رفع الرجل رأسه إلى السماء، ثم قال:"اللهم إني قد عفوت".
ومثل هذه الحادثة وهي من أكبر مظاهر العدل في الحكم حادثة المصري الذي سابق ابنا لعمرو بن العاص والي مصر على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد شكا المصري إلى عمر وقال له:"إن الوالي أجرى الخيل وسابقني ابنه فسبقته، فغضب ابنه محمد بن عمرو ووثب علي يضربني بالسوط ويقول: خذها وأنا ابن الأكرمين"، فبعث عمر إلى عمرو وابنه محمد فقدما إليه من مصر فأجلسهما عمر في مجلس القصاص، ونادى عمر قائلا:"أين المصري" وأعطاه الدرة وقال له: "اضرب ابن الأكرمين"فضربه المصري حتى أخذ حقه منه، ثم قال عمر ابن الخطاب:"اجعلها على صلعة عمرو، فو الله ما ضربك ابنه إلا بفضل سلطانه"، فقال المصري:"يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني"، فقال عمر:"أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه"، ثم التفت إلى عمرو قائلا في غضب:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ ".