ومن هنا كان النهي عن المنكر ملازما للأمر بالمعروف، إذ الأمر بالمعروف أمر بالبناء، والنهي عن المنكر نهي عن التخريب والتدمير، ولذا كان لا غنى لأحدهما عن الآخر، إذ لا فائدة في بناء يقام اليوم ويهدم غدا.
وبالتتبع للآيات القرآنية التي ذكر فيها الأمر بالمعروف نجد أن النهي عن المنكر مقرونا بها لا يفارقها بحال، فآية آل عمران يقول تعالى فيها:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} . وآية التوبة يقول تعالى فيها:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} . وآية الحج يقول سبحانه فيها:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} وكل الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية فإنها ما ذكرت الأمر بالمعروف إلا مقرونا بالنهي عن المنكر كقوله صلى الله عليه وسلم:"لتأمرن بالمعروف ولتنهَوُنّ عن المنكر"... الحديث... وقوله:"مُر بالمعروف وانْهَ عن المنكر ... " الحديث، وذلك أن المعروف بناء، والمنكر هدم فمن أمر ببناء ولم ينه عن هدمه مع وجود مقتضيات الهدم، كان قد جانب الحكمة، وأخطأ الصواب، إن من أقام صرحا، أو غرس غرسا، وجب عليه حمايته من أيدي العوادي تعدو عليه، وإلا فقد أضاع جهده، وخسر عمله، وبالجملة فإن ترك المنهيات الثلاثة في الآية الكريمة وهي الفحشاء والمنكر والبغي، ضروري لبقاء العدل، والإحسان ودوام التماسك والترابط بين أفراد المجتمع، وإلا فسيزول العدل ويذهب الإحسان، وتتقطع روابط المودة والولاء، وتحلّ الكوارث وينزل البلاء، كما هو مشاهد في حياة الناس اليوم.