وأما إيتاء ذي القربى: فإنه المطلب الثالث في هذه الآية الكريمة، وهو الاعتراف بحقوق ذوي القربى المالية كالإرث ونحوه، وغير المالية من البر والصلة، فهذا الحق يجب أن يعترف به ويسلم إلى أهله، طاعة لله تعالى في أمره به. إن في إيتاء ذي القربى حقه، وما يجب له على قريبه من أسباب كمال الأمة وقوتها وسعادتها، ما يوجد في إقامة العدل، وتعميم الإحسان. إن في إيتاء ذي القربى حقه من تماسك الأفراد، وترابط الأسر ما يجعل الأمة قادرة على إقامة العدل وبذل الإحسان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالجملة فإن هذا المطلب لا يقل أهمية عن المطلبين السابقين له وهما العدل والإحسان وبتحقيق هذه المطالب الثلاثة والتي هي جماع الخير كله يتم للأمة التي تنشد السعادة والكمال نصف بناء صرح سعادتها وكمالها، ويقى النصف الثاني متعلقا باجتناب المنهيات الثلاثة؛ الفحشاء، والمنكر، والبغي، فمتى حققت الأمة تلك المطالب واجتنبت هذه المناهي فقد أقامت صرح حضارتها، وعزتها وسعادتها، وكمالها، وتسنمت ذرى الشرف والمجد بين الأمم والشعوب.
ومما ينبغي التنبيه إليه هنا هو أن السلب كالإيجاب في التأثير على كمال الأمة وسعادتها، فإن اجتناب المنهيات الثلاثة وهو سلب محض لا يقل خطورة وتأثيرا عن فعل المأرات الثلاثة والتي هي إيجاب حقيقي، إن المأمورات الثلاثة إذا كانت قد جمعت كل عناصر الخير، فإن المنهيات الثلاثة قد جمعت عناصر كل الشر ومن هنا وجب عدم التساهل في أيّ منها فعلا وتركا. أو سلبا وإيجابا، فإذا كان إقامة العدل، وتعميم الإحسان، وترابط الأفراد برباط الحب والولاء، دعائم صرح سعادة الأمة وكمالها فإن إشاعة الفحشاء، وظهور المنكر، وسيادة البغي، مقوّضات لصرح كمال الأمة، ومدمرات له.