لقد أدرك أعداء الإسلام بأن قوة المسلمين تكمن في هذا الدين وفي اجتماعهم حول مبادئ هذا الدين وتمسكهم برابطة الأخوة الإسلامية التي تنتظمهم على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولذلك كان لابد من فصم عُرى هذه الأخوة التي تشد المسلم إلى أخيه وتكون منهم قوة رهيبة يحسب لها الأعداء ألف حساب على ما جاء في الحديث الشريف "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". وكانت فكرة القوميات هي البديل الجديد للأخوة الإسلامية، فانطلق أعداء الإسلام مع أُجَرَائِهم لإحياء العصبيات النتنة من قبورها وجمع رفاتها وبعث الحياة فيها من جديد بعد أن أماتها الإسلام من قرون. واستطاعوا أن يذكِّروا الناس بماضيهم الذي كانوا عليه قبل الإسلام وعملوا على بعث الحضارات الجاهلية البائدة وإحياء مظاهرها وتعظيم تلك المظاهر وعرضها عرضا مغريا يوحي بأصالتها وعراقتها، ونفخوا في الناس روح التقديس لتلك الرسوم البالية فانتسب الناس لآبائهم بدلا من الانتساب لدينهم ونسوا مفهوم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ونسوا قوله تعالى في الحديث القدسي المأثور: "جعلت نسبا وجعلتم نسبا فقلت إن أكرمكم عند الله أتقاكم وقلتم فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم". ونسوا قوله صلى الله عليه وسلم:"الناس لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أحمر إلا بالتقوى".